(باب الإدغام الكبير)
ودونك
الإدغام الكبير وقطبه***أبو عمرٍو البصري فيه تحفلا
الإدغام
لغة: هو الإدخال.
واصطلاحا: النطق بالحرفين حرفاً كالثاني مشددا.ً
وباب الإدغام الكبير يختص به السوسي فقط
عن أبي عمرو دون الدوري من طريق الشاطبية.
أنواع الإدغام ثلاثة هي: (المتماثلان – والمتجانسان – والمتقاربان)
الحرفان
المتماثلان: هما الحرفان
اللذان اتحدا في الاسم والرسم (لفظا وخطا) ، مثل (الميم والميم ، النون والنون) ..
الخ.
الحرفان
المتجانسان: هما الحرفان
اللذان اتحدا مخرجا واختلفا في بعض الصفات ، مثل (الثاء ، والذال ، والظاء).
الحرفان المتقاربان: هما الحرفان اللذان تقاربا مخرجا وصفة ، مثل (الدال والجيم والزاي
...).
ينقسم
الإدغام إلى ثلاثة أقسام: (كبير ، وصغير ، ومطلق)
فإذا كان الحرفان الأول والثاني متحركان يسمى (إدغام كبير) ومنه
ما يكون في كلمة مثل (سلككم ، مناسككم) ومنه ما يكون في كلمتين مثل (إنه هو ،
الرحيم ملك ، فيه هدى) ، ولا يدغم المتماثلان إذا التقيا لفظاً ولم يلتقيا خطاً ، مثل
(أنا نذير) فقد فصلت الألف هنا بين النون والنون في الخط ، ولا يدغما إذا التقيا
خطا ولم يلتقيا لفظا ، مثل (واسعٌ عليم) فقد فصل التنوين هنا بين العين والعين
لفظا ، وقد انفرد السوسي بهذا النوع من الإدغام
ووافقه حمزة في بعض الكلمات ذكرت في الفرش.
وإذا كان الحرف الأول ساكن والثاني
متحرك يسمى إدغام صغير ولا يكون إلا في كلمتين
، مثل (وقد دخلوا ، اضرب بعصاك ، قالت طائفة) ، وإذا كان الحرف الأول متحرك
والثاني ساكن يسمى إدغام مطلق ، مثل (ننسخ ، تتلوا ، تشطط ، شققنا) وهذا حكمه
الإظهار مطلقا لجميع القراء.
قال أبو عمرو الداني (اعلم رحمك الله أن أبا عمرو البصري رحمه الله
كان إذا قرأ في الصلاة أي بالقصر أدرج قراءته أي أدغم ولم يهمز أي أبدل الهمز
الساكن) ، وقال السخاوي كان أبو القاسم الشاطبي يقرئ للسوسي بالإدغام الكبير
وإبدال الهمز الساكن ، ويقرئ للدوري بإمالة الناس المجرورة وتحقيق الهمز الساكن.
أقسام الإدغام في المتماثلين:
ينقسم إدغام المتماثلين
إلى قسمين: (إدغام في كلمة ، وإدغام في كلمتين).
أولا:
إدغام المتماثلين في كلمة
ففي
كلمة عنه مناسككم وما***سلككم وباقي الباب ليس معولا
يعني أن السوسي
أدغم من هذا القسم في موضعين فقط هما (فإذا قضيتم مناسككم) البقرة ، (قالوا ما سلككم
في سقر) المدثر ، أما بقية المواضع فليس له فيها إدغام ، مثل (بأعيننا ، جباههم ،
وجوههم ، بشرككم ...) ونحوها.
ثانياً:
إدغام المتماثلين في كلمتين
وما
كان من مثلين في كلمتيهما***فلا بد من إدغام ما كان أولا
كيعلم
ما فيه هدىً وطبع على *** قلوبهم والعفو وامر تمثلا
يعني أن
المتماثلين إذا وقعا في كلمتين يدغمها السوسي في جميع المواضع ما عدا بعض المستثنيات.
أمثلة:(يعلم ما
في الأرحام ، فيه هدى
، طبع على ، والعفو وأمر ، سبحانه هو ، إسرائيل لا ، لك كيدا ، آل لوط ، أبرح حتى، إلا هو ويعلم ، وأحسن ندياً ، الشوكة تكون لكم ، خلائف في الأرض ، الناس سكارى ، فاستغفر ربه ،
حيث ثقفتموهم)
ويكون الإدغام بإسكان الحرف الأول وإدغامه في الثاني والنطق بالحرفين حرفا واحدا
مشددا.
شروط
إدغام المتماثلين في كلمتين:
1- أن يتحرك
الحرفان المدغم والمدغم فيه
2- أن يلتقي
الحرفان في خط المصحف
3- أن يكون
الحرف المدغم آخر الكلمة والمدغم فيه أول الكلمة التي تليها
4- عدم وجود مانع من موانع الإدغام
موانع إدغام المتماثلين من كلمتين وهي ستة:
إذا لم يكن تا مخبر أو مخاطب***أو المكتسي تنوينه أو مثقلا
ككنت
ترابا أنت تكره واسع***عليم وأيضا تم ميقات مثلا
وقد
أظهروا في الكاف يحزنك كفره***إذ النون تخفى قبلها لتجملا
1- إذا كان
الحرف الأول تاء المتكلم مثل: (كنت ترابا).
2- إذا كان
الحرف الأول تاء خطاب مثل: (أفأنت تكره ، ما كنت تتلوا).
3- إذا كان
الحرف الأول منوناً مثل: (سميعٌ عليم ، واسعٌ عليم).
4- إذا كان
الحرف الأول مشددا مثل: (تمً ميقات ربه).
5- إذا التقى الحرفان لفظا
ولم يلتقيا خطا مثل: (أنا نذير) وهذا لم يذكره الإمام ضمن الموانع.
6- إذا كان قبل الحرف الأول نون مخفاة وقد جاء هذا في موضع واحد في القرآن الكريم وهو قوله تعالى في سورة لقمان (ومن كفر فلا يحزنك كفره).
المواضع التي فيها وجهان الإدغام والإظهار وهي ثلاثة مواضع فقط في كل القرآن
وعندهم
الوجهان في كل موضع *** تسمى لأجل الحذف فيه معللا
كيبتغ
مجزوما وإن يك كاذبا *** ويخـل لـكم عـن عـالـم طيب الخـلا
والمعنى أن هذه المواضع الثلاثة فيها وجهان الإدغام والإظهار ،
والإدغام هو المقدم أداءً ، وذلك بسبب حذف حرف أصلي منها وهو حرف العلة ، ففي الموضع الأول حذف حرف العلة بسبب دخول حرف الجزم
(من) وفي الموضع الثاني حذف بسبب دخول (إن) الشرطية وفي الموضع الثالث حذف لأنه
جواب للأمر فالذين يدغمون نظروا للخط والمظهرون نظروا للأصل ، وهذه المواضع
الثلاثة هي الوحيدة في القرآن الكريم ، والكاف في قوله (كيبتغ)
هي للحصر وليست للتمثيل.
وهذه المواضع هي:
1-ما كان حذفه علامة للجزم
كما في قوله تعالى (ومن يبتغ
غير الإسلام) في سورة آل عمران
2-ما كان حذفه علامة للشرط كما في قوله تعالى (وإن يك كاذبا فعليه كذبه) في سورة غافر
3- ما كان حذفه جوابا للأمر كما في قوله تعالى (يخل لكم وجه أبيكم) في سورة يوسف
ويا
قوم مالي ثم يا قوم من بلا***خلاف على الإدغام لا شك أرسلا
يعني قوله تعالى (يا قوم مالي أدعوكم
إلى النجاة) في غافر (ويا قوم من ينصرني من الله) في هود
ويريد الشاطبي في هذا البيت ترجيح حجة
المدغمين في المواضع الثلاثة السابقة فيما وقع فيه حذف ، وذلك بإدغام (يا قوم مالي
، ويا قوم من) بالرغم من وقوع الحذف فيهما وهذان الموضعان فيهما الإدغام بلا خلاف
، ولكن حذف الياء من كلمة (يا قوم) هي اللغة الفصيحة فهي تختلف عن الكلمات السابقة
من هذا الوجه.
مواضع الخلافات والترجيحات:
وإظهار
قوم آل لوط لكونه***قليل حروف رده من تنبلا
بإدغام
لك كيدا ولو حج مظهر***بإعلال ثانيه إذا صح لاعتلى
يريد قوله تعالى (آل لوط) ، والمعنى أن إظهار بعض الرواة للام بحجة أن
حروفه قليلة رده عليهم الشاطبي ومن قبله الداني وقال لهم بأنكم أدغمتم بلا خلاف
قوله تعالى (لك كيداً) وحروفه أقل من حروف (آل لوط) فلماذا أدغمتم (لك كيداً)
وأظهرتم (آل لوط) ، ثم قال لهم إنكم لو أردتم حجة للإظهار كان من باب أولى أن تقولوا إن كلمة
(آل) معتلة الوسط وبهذا تكون حجتكم لها اعتبار أقوى من القول بأن حروفه قليلة ،
فإبداله
من همزة هاء أصلها***وقد قال بعض الناس من واو أبدلا
قوله (فإبداله من همزة هاء أصلها)
يريد به مذهب سيبويه وقد نقل عن سيبويه أن أصل كلمة (آل) هو (أهل) وقد أبدلت الهاء
همزة ساكنة فصارت (أأل) ثم أبدلت الهمزة ألفا لأن العرب لا تجمع بين همزتين
ثانيتهما ساكنة فأصبحت (أآل) فهي متغيرة فجاز فيها التغيير الثاني وهو الإدغام.
وقوله (وقد قال بعض الناس من واو
أبدلا) يريد به مذهب الكسائي وقد نقل عن الكسائي والحسن ابن شنبوذ بأن أصل كلمة
(آل) هو (أوَل) وقد أبدلت الواو همزة فصارت (أأل) ثم أبدلت الهمزة ألفا فأصبحت (أآل)
فجاز فيها التغيير إلى الإدغام فهو إعلال بعد إعلال.
والخلاصة: أن (آل لوط) فيها الإدغام فقط للسوسي وهذا ما رواه الداني وهو المعمول به.
تنبيه:
إذا كان قبل الحرف المدغم حرف مد فيجوز فيه القصر والتوسط والإشباع واندرج الناس على التوسط ، مثل: (فيه هدى) ، وفقا للقاعدة: (وسو بين عارض الإدغام *** وعارض الوقف في الأحكام).
وواو
هو المضموم هاء كهو ومن***فأدغم ومن يظهر فبالمد عللا
ويأتي
يوم أدغموه ونحوه***ولا فرق ينجي من على المد عولا
قوله (وواو هو المضموم هاء) يريد إخراج واو كلمة (هو) ساكنة الهاء من الخلاف في الإدغام لأن أبا عمرو يقرأ بإسكان هاء (هو) وهاء (هي) إذا جاء قبلها واو أو فاء أو لام مثل: (فهو ، وهو ، لهو ، وهي ، لهي) وقد جاء بعدها واو متحركة في ثلاثة مواضع (وهو وليهم ، فهو وليهم ، وهو واقع بهم) وهذه الكلمات فيها الإدغام للسوسي بلا خلاف فيكون الكلام في البيت عن هاء (هو) التي لم تسبق بحرف من تلك الحروف الثلاثة وجاء بعدها حرف الواو فقد قال بعض أهل الأداء بعدم إدغام واو (هو) في الواو التي بعدها لأنه بعد إسكان واو (هو) تصبح الواو حرف مد لأن ما قبلها مضموم وحروف المد لا تدغم بالاتفاق ، وقد رد عليهم الإمام الشاطبي قولهم هذا بأنهم أدغموا الياء بلا خلاف في قوله تعالى (من قبل أن يأتي يوم) و (نودي يا موسى) ونحوها وقد صارت حرف مد عند إسكانها للإدغام لأن ما قبلها مكسور ولا فرق بينها وبين واو (هو)، لذلك فإن الإدغام هو الأصح في الواو التي قبلها هاء مضمومة والإظهار وجه ضعيف.
أمثلة: (هل
يستوي هو ومن
يأمر) (قالت كأنه هو وأوتينا
العلم) (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر) (إلا هو وإن يردك) (فلما جاوزه هو والذين ءامنوا معه)
(شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكةُ) (إنه يراكم هو وقبيله)
(إلا هو وإن
يمسسك).
يقصد قوله تعالى في سورة الطلاق (والَّائي يئسن من المحيض) أولا يجب أن نعلم أن أبا عمرو براوييه له قراءتان في هذه الكلمة حذف الياء وإثبات الهمزة مع إبدالها ياء ساكنة (والَّايِ يئسن) والقراءة الثانية حذف الياء وتسهيل الهمزة بين بين (والَّاءِ يئسن) فمع تسهيل الهمزة يكون له فيها وجهان هما:
الأول تسهيل الهمزة مع المد أربع حركات (والَّاءِ يئسن) للدوري
والسوسي ، والثاني تسهيل الهمزة مع القصر حركتين للدوري والسوسي.
فوجهي التسهيل ليس فيهما خلاف ، إنما الخلاف عند إبدال الهمزة ياءً هل
نظهر اليائين أم ندغمهما فعلى وجه الإبدال تكون القراءة بوجهين هما:
الأول: إبدال الهمزة ياءً مع المد المشبع من قبيل المد اللازم وإظهار اليائين (واللاي يئسن) وهو ما رواه الداني قولاً واحداً ونقله الشاطبي بقوله (فهو يظهر مسهلا) وهذا لأبي عمرو براوييه الدوري والسوسي.
والثاني: إبدال همزة (والَّاءِ) ياءً مع المد المشبع وإدغامها في ياء (يئسن) وهذا الوجه قرره بعض المتأخرين من المحررين والزموا به الشاطبي بمقتضى القواعد وهو من الإدغام الصغير وكثير من المشايخ اليوم يلزمون القارئ بالقراءة بالوجهين الإظهار والإدغام للدوري والسوسي ، وقد صححهما ابن الجزري في النشر.
مما سبق نخلص إلى أن لأبي عمرو في هذه الكلمة أربعة أوجه هي:
1- تسهيل الهمزة مع المد
2- تسهيل الهمزة
مع القصر
3- إبدال الهمزة ياءً وإظهار
اليائين مع المد المشبع ست حركات
4- إبدال الهمزة ياءً وإدغام اليائين مع المد المشبع ست حركات
تحريرات
السوسي في قوله تعالى: (الرحيم
* ملك يوم الدين) فيها تسعة أوجه للسوسي
2- توسط المدغم مع توسط
وإشباع العارض + الروم مع قصر العارض للسكون (3).
3- إشباع المدغم مع إشباع العارض + الروم مع قصر العارض للسكون (2).